جازان: محمد الكعبي جدة: علي شراية
كعادة تتكرر كل عام، تتجه مع صبيحة اليوم الأربعاء الأنظار باتجاه جزر فرسان في جازان في أقصى جنوب السعودية، للاحتفاء والمشاركة في يوم الحريد الذي يقام ليوم واحد في العام. ويتوقع أن تتجاوز أعداد المشاركين أكثر من 10 آلاف شخص، بينهم الصيادون والعائلات والأطفال.
ولموسم الحريد قصة قد يعتقد البعض أنها من نسج الخيال، لكنها حقيقة، فسمك الحريد يزور شواطئ جازان على شكل أسراب جماعية يوما أو يومين وربما ثلاثة في كل عام، وتتفق زيارته دائما مع مطلع الشهر القمري تزامنا مع ظاهرة المد والجزر.
ويستطيع الصيادون في هذا اليوم صيد ما يشاءون من الأسماك دون استخدام الصنارات أو الشباك، بل بأيديهم من كثرة أعداد الأسماك التي تحط رحالها على الشاطئ، يفوق أحيانا السرب الواحد 5 آلاف سمكة، حتى تغطي أسراب الأسماك الشاطئ في بعض الأحيان.
ويوضح إبراهيم مفتاح الشاعر، واحد من سكان جازان، لـ«الشرق الأوسط» في تعليقه عن موسم قدوم «ببغاء البحر»، وهو الاسم العلمي لسمك الحريد: «إن الحريد سمك سنوي يزور فرسان مرة كل عام، وتتفق زيارته دائما مع مطلع الشهر القمري، ويعود سبب هذا التوافق الزمني إلى ظاهرة المد والجزر، وهو إن كان قد ظهر في ربيع الآخر هذا العام ففي العام القادم سيظهر في نفس الشهر تقريبا مع فارق بسيط في الأيام».
ويضيف الشاعر: «يظهر هذا النوع من السمك في شهر قمري محدد كل ثلاث سنوات، إلا أنه يخرج في بداية النصف الثاني من الشهر، فإذا ظهر في عام ما في 15 أو16 من الشهر القمري نراه يظهر في العام التالي في 17 أو 18 من شهر القمري، وفي 19 أو 20 من الشهر القمري في العام الذي يليه، وهكذا. والمحير في الأمر هو أن هذا النوع من السمك لا يظهر إلا على مدى ثلاثة أو أربعة أيام متتالية ثم يختفي ويرحل من المنطقة، والسؤال المحير الذي يطرح هو: من أين يأتي وإلي أين يذهب؟».
ويبين مفتاح: «إن سمك الحريد ظهر هذا العام في بداية شهر أبريل (نيسان)، وعلى هذا سيظهر في منتصف أبريل (نيسان) العام القادم، أما الذي يليه فسيظهر في أواخر أبريل (نيسان) وبداية مايو (أيار)، ففي هذا الوقت بالذات تكون فرسان بالتحديد محطة هجرة الطيور والأسماك».
ويعود مفتاح متسائلا: «أما بالنسبة إلى الأسماك، وبالتحديد سمك الحريد، فحتى الآن ليست هناك إجابة شافية عن مصدرها، من أين أتت، وهل هي مهاجرة أم كما يقول بعض الخبراء إن هذا النوع من السمك لا يوجد إلا في مياه البحر الأحمر دون سواه، لذا يظل السؤال عن الموطن الأصلي لسمك الحريد قائما، فهل قدمت من مكان قريب أم من بحار بعيدة؟ وما سبب قدومها في هذا الموسم؟ هل يتم تجمعها بقصد التزاوج أو التفقيس في أماكن معينة؟ ولكن الشيء الغريب أنه وعلى امتداد سواحل فرسان نحو 219 كم لا تأتي إلى أي مكان إلا إلى ساحل الحريد، مما يدل على أنها تتبع مسارا معينا لا تحيد عنه، وفي نفس الوقت يرتبط ظهور سمك الحريد بتوقيت محدد، يعني قبل هذا التاريخ أو بعده لا وجود لهذا النوع من السمك».
ولأن الصيادين في أنحاء السعودية يدركون حجم ذلك اليوم فقد بدأت منذ أيام جحافل الصيادين من مختلف مدن السعودية بالتوجه إلى جازان للمشاركة في هذه الاحتفالية الضخمة واقتسام حصتهم من «كعكة» صيد سهل وكبير.
ويؤكد عادل العمودي، أحد صيادي جدة، لـ«الشرق الأوسط» أنه غادر جدة برفقة فريق كامل للمشاركة في هذا المهرجان، ولصيد أكبر كمية من هذا النوع من الأسماك الذي يمتاز بمذاق خاص وطرق صيد خاصة، كونه لا يفتح فمه كثيرا، وكون منقاره يشبه منقار الببغاء.
ويؤكد حامد ينبعاوي القادم من ينبع إلى جازان، على بعد نحو أكثر من ألف كيلو متر من فرسان: «أنتظر هذا المهرجان بشغف كبير، وبمجرد أنني عرفت بموعده حضرت بكافة عدد الصيد للمشاركة وصيد أكبر كمية».
ويحكي لنا إبراهيم مفتاح تاريخ موسم الحريد قائلا: «من زمن بعيد كان الناس يحسبون لموسم قدوم سمك الحريد ويحتفون ويخرجون إلى الساحل، وحسب ما يقول الأولون إنهم يذبحون ويطبخون»، مشيرا إلى أن مهرجان الحريد قديم وليس من مواليد اليوم، وأنه قد يعود إلى عام 400 هجريا.
يشار إلى أن موسم الحريد تحول إلى احتفال رسمي في جازان يرعاه أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر سنويا، ويشارك فيه أكثر من 10 آلاف شخص، كما أشارت إحصائية العام الماضي، وتشارك مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في تغطية أحداثه وفعالياته.